سلسلة الدروس الرمضانية: الدرس الأول: سنة التدرج في التشريع، للدكتور خالد بدير
سلسلة الدروس الرمضانية: الدرس الأول: سنة التدرج في التشريع، للدكتور خالد بدير
لتحميل الدرس بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الدرس بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الدرس كما يلي:
لقد بعث الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – في مكة وأهلها قائمون على عبادة الأصنام والشرك والخمر ووأد البنات وغير ذلك من الأعمال التي تتنافى مع الدين الإسلامي الحنيف؛ يصور ذلك سيدنا جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه- في كلمته التي ألقاها أمام النجاشي قائلاً: ” أَيّهَا الْمَلِكُ كُنّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ وَيَأْكُلُ الْقَوِيّ مِنّا الضّعِيفَ فَكُنّا عَلَى ذَلِكَ حَتّى بَعَثَ اللّهُ إلَيْنَا رَسُولًا مِنّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إلَى اللّهِ لِنُوَحّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدّمَاءِ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصّلَاةِ وَالزّكَاةِ وَالصّيَامِ ؛ فَعَدّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ “(سيرة بن هشام).
فلو أمرهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن ينخلعوا جملة واحدة من هذه العادات السيئة لما استطاعوا وما امتثلوا ؛ لمشقة ذلك على النفس أن تنقلها من أعلى درجات الحرام والفساد إلى أعلى درجات الصلاح والكمال؛ ولذلك نزل القرآن والأوامر والنواهي تدريجياً ، قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} (الفرقان: 32) ، وعن عَائِشَةَ قَالَت: ” إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا ، وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا “. ( البخاري).
وسنة التدرج في التشريع لها صور كثيرة في الأوامر والنواهي ؛ وأكتفي في هذا المقام بذكر مثالين في المأمورات وهما: الصلاة والصيام ؛ ومثال واحد في المنهيات وهو الخمر .
أولا: التدرج في فرض الصلاة
فالصلاة لم تفرض خمس مرات جملة في ليلة الإسراء والمعراج ؛ بل فرضت الصلاة على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: قيام الليل وذلك من خلال قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا } [المزمل: 1، 2].
فقد ذكر المفسرون أن الله تعالى فرض قيام الليل على المسلمين عامًا كاملاً، ثم نزل التخفيف في آخر السورة بعد عام كامل في قوله تعالى: { فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ } [المزمل: 20]، فنسخ قيام الليل للمسلمين، وظل الأمر فرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم . [تفسير ابن كثير].
المرحلة الثانية: ركعتين صباحاً وركعتين مساءً :
فقد ذكر البخاري – رحمه الله تعالى – قول عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ” فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأُقرت صلاة السفر، وزِيدَ في صلاة الحضر ” .
قال ابن حجر – رحمه الله تعالى -: ” إنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما كان وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد، وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ( صباحاً ومساءً )؛ وذكر الشافعي أن صلاة الليل كانت مفروضة، ثم نُسخت فصار الفرض قيام بعض الليل، ثم نسخ بالصلوات الخمس ” . [ فتح الباري].
وكان فرض الصلوات الخمس في ليلة الإسراء، كما ورد ذلك في قوله تعالى: { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } [الإسراء: 78]. يقول القرطبي – رحمه الله تعالى – في تفسيره: ” وهذه الآية بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة “.
ومن هذا يتبين لنا أن الصلاة فُرضت على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: فرض قيام الليل ثم نسخ.
المرحلة الثانية: صلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي. ( ركعتان صباحاً وركعتان مساءً).
المرحلة الثالثة: فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء.
ومن هنا تتضح سنة التدرج في فرض الصلاة، وهي أول عبادة، بل هي العبادة الوحيدة التي فُرضت بمكة.
ثانيًا: التدرج في فرض الصيام
من المعلوم الثابت أن الصيام لم يفرض بمكة؛ وإنما فرض بالمدنية بعد الهجرة، وقد مرَّ فرض الصيام بثلاث مراحل متدرجة، ذكرها ابن كثير – رحمه الله تعالى – في تفسيره، فقال:
” وأما أحوال الصيام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدِم المدنية فجعل يصوم من كل شهر ثلاثةَ أيامٍ، وصام عاشوراء، ثم إن الله تعالى فرض عليه الصيام وأنزل الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183] إلى قوله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة: 184]، فكان مَن شاء صام ومَن شاء أطعم مسكينًا فأجزأ ذلك عنه، ثم إن الله تعالى أنزل الآية الأخرى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة: 185]، إلى قوله: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة: 185]، فأثبت الله صيامَه على المقيم الصحيح، ورخَّص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ” . [تفسير ابن كثير].
ومن هنا تبيَّن لنا التدرُّج في فرض الصيام، وقد مر بالمراحل الآتية:
المرحلة الأولى: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصيام عاشوراء.
المرحلة الثانية: فرض الصيام على التخيير، فكان من شاء صام ومن شاء أطعم، مع الترغيب في أفضلية الصيام: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 184].
المرحلة الثالثة: صيام شهر رمضان كاملاً كل عام . { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة: 185].
إن الصيام عبادةٌ راقية، وهو سرٌّ بين العبد وربه، وقد غيَّر فيها وبدَّل الذين كانوا مِن قبلنا، فهي تترقَّى بالمسلم إلى درجات التقوى والمراقبة لله عز وجل، وهي كذلك تدريب وترويض للنفس على الانضباط حسب منهج الله عز وجل؛ لذا فلم تُفرَض إلا في المدينة بعد أن استقر الإيمان في القلوب، وكما ذكرت فقد فُرِضت بتدرج؛ لكي تتقبلها النفس وتستجيب طواعية ورغبة في أدائها على أكمل وجه، وتلك من حكم التدرج.
ثالثا: التدرج في تحريم الخمر
ذكرنا مثالين في سنة التدرج في التشريع في المأمورات وهما : الصلاة ؛ والصيام .
وفي جانب المنهيات والمحرمات أكتفي بذكر مثالٍ واحدٍ وهو ( مراحل تحريم الخمر ) والحكمة من ذلك .
فقد مر تحريم الخمر بثلاث مراحل :
المرحلة الأولى: وقد جاء فيها بيانُ الله -عزّ وجلّ- في مُحكم آياته بأنّ شُرب الخَمْر إثم كبير مع ما فيه من المنافع؛ ولم يُصرّح الله -تعالى- بالتحريم المباشر لشُرب الخَمْر الذي اعتاده النّاس، وكان صعباً فراقهم لها والانتهاء عن شربها؛ لكونها الملاذ والفخر لشاربها، فقال الله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }.[البقرة : 219] .
المرحلة الثّانية: بدأ الإسلام مرحلةً جديدةً باستبدال ما في قلوب النّاس من حبّ الخَمْرِ بحبّ الله -تعالى- وخشيته والتقرّب إليه في الصّلاة، فجاء النّهيُ للنّاس بعدم قُرب الصّلاة في حالة السُّكْر، حيث كانوا يشربونها ثم يأتون الصلاة سكارى فتلتبس عليهم القراءة في الصلاة؛ فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَانَا وَسَقَانَا مِنْ الْخَمْرِ ؛ فَأَخَذَتْ الْخَمْرُ مِنَّا وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ ؛ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْتُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ؛ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }. ( الترمذي وحسنه ).
فانتزع الله -تعالى- من نفوس الكثير من النّاس حبّ الخَمْر، فالتقرّب من خالقِهم أعظم وأسمى في نفوسهم من حُبّ ملذّاتهم وشهواتهم، حتى قال عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- مناجياً ربّه :” اللهمّ بيّن لنا في الخَمْر بياناً شافياً “.
المرحلة الثّالثة: جاء تحريم الخمْر في المرحلة الأخيرة، فأمر الله -تعالى-عباده بالتجلّي عمّا يُسفّه عقولهم، ويدفعهم لدنِيّة ذواتهم، وبغض بعضهم البعض، ويصدّهم عن عبادتهم، فما بُعث الإسلام إلّا لرفعتهم، حيث قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}،[ المائدة: 90 ؛ 91 ] فانصاعت النّفوس والقلوب لخالقها بالامتثال والتسّليم لأمره.
فمع أنهم كانوا مولعين بشربها إلا أنهم امتثلوا للأمر سمعا وطاعة من أول خبر جاءهم ؛ فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ” إِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ ، وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : وَهَلْ بَلَغَكُمُ الخَبَرُ ؟ فَقَالُوا : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : حُرِّمَتِ الخَمْرُ ، قَالُوا : أَهْرِقْ هَذِهِ القِلاَلَ يَا أَنَسُ ، قَالَ : فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلاَ رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ ” ( البخاري ومسلم ).
فانظر إلى سرعة الاستجابة !! أهرقوا القلال حالاً في الشوارع والطرقات حتى كأنها سيول من سرعة الاستجابة؛ ونحن نسمع نداء التحريم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان ؛ ومع ذلك نحن مصرون على فساد عقولنا وأموالنا ؛ وعصيان أوامر ربنا سبحانه وتعالى !!!! لذلك أكد الله تحريم الخمر والميسر بوجوه من التأكيد:
-منها: تصدير الجملة بإنما.
-ومنها: أنه سبحانه وتعالى قرنهما بعبادة الأصنام.
-ومنها: أنه جعلهما رجساً.
-ومنها: أنه جعلهما من عمل الشيطان، والشيطان لا يـأتي منه إلا الشر البحت.
-ومنها: أنه أمر باجتنابهما.
ومنها: أنه جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحاً كان الارتكاب خيبة وممحقة.
-ومنها: أنه ذكر ما ينتج عنهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض من أصحاب الخمر والقمار وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله، وعن مراعاة أوقات الصلاة، وقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91]. من أبلغ ما ينهى به، كأنه قيل: قد تُلِي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم على ما كنتم عليه، كأن لم توعظوا ولم تزجروا.
وهناك أمثلة كثيرة لسنة التدرج في التشريع لا تسعها هذه الوريقات في هذه الدقائق ؛ ويكفي القلادة ما أحاط بالعنق .
وهكذا – أيها الأحبة – يتأكد أن خصيصة التدرج هي من أهم الخصائص في الدعوة والتشريع، فإذا أردنا أن نأخذ بأيدي الناس إلى معرفة الله – عز وجل – وتوحيده، فلا بد أن نبدأ معهم بالأدلة العقلية على إثبات التوحيد، وذلك بالنظر في آيات الله الكونية والإنسانية، ثم بالنظر في الآيات القرآنية، والتدبر في إعجاز القرآن وعظمته وحكمته، فإذا استقر الإيمان بالله – عز وجل – في القلوب، تبدأ مرحلة تالية، وهي إعداد النفوس لتقبُّل الأحكام، ثم نتبع ذلك ببيان الأحكام وإعلام الناس بها، وتبليغهم إياها خطوة خطوة، ونقبلُ منهم اليسير أولاً، ثم نتدرَّج بهم شيئًا فشيئًا إلى درجات الكمال، والأخذ بتعاليم الإسلام كلها، لا نأخذ ما يعجبنا ويوافق هوانا ونترك غير ذلك، فالإسلام كلٌّ لا يتجزأ، ولكن هي مراحل وخطوات وأولويات!
والداعية الناجح لا بد أن يراعي سنةَ التدرُّج في دعوته، ويحسن تطبيقها حسب فهمه لحقائق الأمور، وطبائع الأشياء، وجوهر الدين.
ولو نظرنا حولنا في جانب شباب هذا العصر لوجدنا أكثرهم – إلا من رحم الله – وقع في براثن الفساد والأفكار الهدامة والإلحاد والخمر والمسكرات وارتكاب المعاصي والمنكرات ومصاحبة قرناء السوء ؛ فعلينا أن نأخذ بأيديهم رويداً رويداً ونغرس فيهم مكارم الأخلاق وسماحة الإسلام ويسره ؛ ونبين لهم أن باب التوبة مفتوح أمام الجميع مهما ارتكبوا من جرائم ومهما عملوا من آثام ؛ ولا نقول لأحدهم ليس لك من توبة ؛ كالرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً وأكمل المائة بالحاجب بينه وبين التوبة؛ بل نعطي له الأمل والفرج ونسأل الله له الهداية ؛ ولنا القدوة والأسوة في نبينا – صلى الله عليه وسلم – ؛ ونلزمه أولاً بأصول الإسلام وكلياته وأركانه؛ كالرجل الذي أخبره الرسول بما افترض عليه ومضى وقال ” والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا “. ونتدرج معهم في بقية أحكامه وأوامره ونواهيه ؛ ثم نرتقي بهم إلى درجة الكمال ؛ وبذلك نستطيع أن نبني مجتمعاً فاضلاً ؛ على أسس قويمة وأخلاق سامية رشيدة .
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي